العودة للصفحة الرئيسية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مُجمع ألـزهراء ألأسلامي


    الطلاق.. لماذا ؟ // الجزء الخامس

    mohammed jafar alkeshwan
    mohammed jafar alkeshwan


    عدد المساهمات : 20
    نقاط : 63
    تاريخ التسجيل : 14/02/2010

    الطلاق.. لماذا ؟  // الجزء الخامس Empty الطلاق.. لماذا ؟ // الجزء الخامس

    مُساهمة من طرف mohammed jafar alkeshwan الجمعة سبتمبر 24, 2010 1:00 am

    يغفل بعض الأزواج المحترمين نهائياً عن أمرٍ في غاية الأهمية ، والبعض الآخر منهم بحاجة إلى مَن يذكرهم بذلك بين الفينة والأخرى. إن الأمر الذي يغفلون عنه ويا للحسرة هو أسباب إستحصال النعم ومن ثم أسباب بقائها. إن الله سبحانه وتعالى لايسلب نعمة ٍ أنعمها على عبد شكور. إن الله هو الغني الحميد ، وهو الغني عن عباده ، وهو الذي لاتنفد خزائنه ولا تزيده كثرة العطاء إلا جودا وكرما إنه هو العزيز الوهاب، وهو القائل وقوله الحق والصدق : " ما يَفعلُ اللهُ بِعذابكُم إنْ شكرْتُم ... ".

    وكذلك قوله تعالى : " وَإِذ تَأذَّنَ رَبُكُم لّئِنْ شَكَرْتُم لَأزيدَنَّكُم وَلَئِنْ كَفَرْتُم إنَّ عذابي لّشّديد ". وقوله تعالى : " آعملوا آلَ داوُدَ شُكرا وقليلٌ مِّن عبادي الشّكُور". هذه وغيرها من الآيات الشريفات التي تحث العباد على دوام الشكر للمُنْعِم المُتفضِل والخالق الباريءُ المصوِّر، وأول تلك النِعم هي نعمة الخلق ، أنْ خَلقْنا ولم نكُ من قبل شيئا وهكذا بقية النعم التي سنقف عندها مفصلا في قادم الأيام إن وفقنا الله تعالى لذلك. من المفيد أن أذكر هذه القصة لِما فيها من عِبَر ودروس لنا ـ أنا العبد الفقير وأمثالي ـ وما الحياة إلاّ درسٌ تعلمناه وآخر ننتظره. لقد صدق رسولنا الكريم ـ ص ـ حينما قال : " كلُّ أبن آدم خطّاء...".

    فعلينا أن نراجع بإستمرار تصرفاتنا من أقوالٍ وأفعالٍ ولا ندع السلبيّ منها والقبيح يتكدس بعضه فوق بعض فيصعب حينئذٍ تحريكه ونبشه لأصلاحه. يكون النبشُ وقتئذٍ يشبه كشف الغطاء عن ميتة قد عَفُنَتْ ـ أجلَّكم الله ـ فإنبعثت منها تلك الروائح المنفرة للنفوس والأرواح النظيفة الطاهرة. أن تراكم الباطل والخبيث تكون نتيجته جهنم والعياذ بالله : " لِيَميزَ اللهُ الخبيث مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الخبيثَ بَعْضَهُ على بَعْضٍ فَيرْكُمَهُ جَميعاً فَيَجْعَلَهُ في جَهَنَّمَ أولئكَ هُمُ الخاسِرون ".



    الشريكان :

    أعرفُ أثنين أحدهما رجلٌ كبيرٌ في السن وآخر في متوسط العمر، إتفقا على أن يشتريا سوية محلاّ تجاريا ويسترزقا منه ، وفعلا كان لهما ما أرادا. لقد منَّ الله عليهما بوافر النِعم والعطاء، وكان الرجل الكبير فيهما يجهد نفسه كثيرا كي لا يشعر ذلك الشاب بأنه مغبون في العمل ، فقاسمه ساعات العمل بدقائقها التي يهملها عادة أرباب العمل. مع كل هذا الحرص والتفاني في العمل والصدق في المعاملة والوفاء في العهد والوعد وغيرها الكثير من الصفات الكريمة إلاّ أن الطمع أخذ يتسرب إلى قلب ذلك الشاب يوما بعد آخر إلى أن وصل ذروته مما حدى به أن يطلب من شريكه أن يبيعا المحل ويذهب كلّ في طريقه ويرى باب رزقه على حدّ وصفه. تألم الرجل الكبير، ليس على حاله، فهومتيقنٌ بأن الذي خلقه يؤمّن له رزقه، ويسبب له سببا إن ضاقت به الأسباب. تألم على شريكه الشاب وكيف أنه إستبدل نعمة الله كفراً أو على الأقل كفرانا وتبطرا. حاول الرجل الكبير أن ينصحه ولكن من دون ما معنى ولا فائدة. تقاسما المال وذهبَ كل إلى حبيبه ومعشوقه. الرجل الكبير وبيده الدراهم المعدوة ذهبَ إلى الذي وهبه تلك الدراهم، إلى المَلِكِ صاحبِ الخزائنِ التي لاتنفد. وقف بين يديه وقوف السائل المستعطي المستجدي بباب السيد المَلِك ، مطأطأ رأسه، مختنقا بعبرته ومناجيا ذلك الملك الكبير المتعال : مولاي ، مولاي أنت المولى وأنا العبد ومن يرحمُ العبدَ إلاّ المولى. مولاي ، مولاي أنت الغنيُّ وأنا الفقير ومَن يرحمُ الفقيرَ إلاّ الغنيُّ. مولاي ، ... ، مولاي... . توقف قليلا وشخص ببصره السماءَ ثم واصل مناجاته مع معشوقه وحبيبه الذي لم يلتجأ إلى سواه في سرّاءٍ أو ضّرّاء ،أو شِدّةٍ أو رَخاء. تلك المناجات التي كانت تنبع من أعماق قلبه لا من ظاهر لسانه :

    " اللهّمَ ياسببَ مّنْ لا سَبَبَ له، ياسَبَبَ كلِّ ذي سَبَب يامُسَببَ الأسبابِ مِنْ غَيْرِ سِبِب سَبِبْ لي سَبَبا لَن أستطيعَ لهُ طَلَبا. صلي على محمدٍ وآل محمد وإغْنِني بِحَلالِكَ عن حَرامِك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عّمّنْ سِواك ، ياحيُّ ياقيوم ، برحمتك ياأرحم الراحمين ".

    مباشرة بعد هذه المناجاة مع مَن بيدهِ الأمر من قبلُ ومِن بعد ، منّ الله على عبده الصالح ووهبه كل أسباب العمل من صحة وعافية ومال وذلَّلَ له الصِعاب وهيّأ له من يتشرف بخدمته فأصبح سيد العمل وليس شريكا يرى في نفسه الضعف والقصور كما كان من قبل مع ذلك الشريك الشاب. لقد مرّت عدّة أشهر، فقرر الرجل الكبير أن يتفقد ذلك الشاب، شريك الأمس فوجده ذلك الأنسان المحبط الذي ذهب عنه ماله وحاله ، فأخذ يقول : لا أدري بالضبط ماذا حصل لي ولكني وجدت نفسي بين عشية وضحاها ذلك الخاسر في كل تجارة وعمل أقوم به. ردَّ عليه الرجل الكبير :

    ياعزيزي كان اللهُ يديم النعمة عليك لأنك كنت تشكره. قاطعه الشاب:

    ولا زلت أشكره كثيرا ، ألف مرة باليوم على الأقل. تبسم الرجل الكبير وقال :

    كنتَ تشكره بعملك ولسانك فكان الشكر يصدقه العمل ، واليوم تشكره بلسانك فقط. ثم يواصل العبد الصالح ، الرجل الكبير السن : يابنيّ أن رحمتك بي ومساعدتك لي كانتا هما الشكر الحقيقي لمن بيده أسباب أرزاق العباد. وإلاّ يابني ما معنى أن تتبطر في بيتك وتقول لزوجتك لا أحب هذا ولا أحب ذاك. هذا الطعام لا يناسبني ، وذاك لايعحبني ، ثم تمسك المسبحة وتشكر الله مليون مرة. هل في هذا الشكر والذي يتناقض مع العمل من معنى لا أعرفه أنا يابنيّ !!

    يقول ذلك الشاب قبلت يدي شريكي السابق في العمل وطلبت من ان يغفرلي زلتي ويدعو لي بالتوفيق.

    الذي أريد أن أقوله من خلال هذه القصة ، هو أن على السيدات والسادة ، الأزواج المحترمين جميعا ، أن لا يغفلوا ـ حاشاهم ذلك ـ عن هذا الأمر المهم جدا وهو : ألفُ عَينٍ لأجلِ عَيْنٍ تُكْرَمُ. لقد خاطب الله تعالى نبيه الكريم ـ ص ـ قائلا : " وماكانَ اللهٌ لِيُعَذِّبَهُم وأنتَ فيهِم وماكانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وّهُمْ يّسْتَغْفِرون ". لقد أصبح من شبه المألوف وللأسف الشديد أن نرى بعض الأزواج المحترمين مثلهم مثل ذلك الشريك الشاب. بعد أن رزقه الله تعالى من أجل عيون زوجته وأولاده ، فبدلا من أن يقابل هذه النعم الجليلة بالشكر كما ينبغي للشكر أن يكون ، بدلا من ذلك تراه أول ما يخطر بباله هو الأنفصال عن زوجته ، وفي أحسن الحالات يفكربالزواج بثانية مبررا ذلك بالسَعة. جاهلا أو ناسيا مَن هم أسباب هذه السعة ؟. إن الله رحمك أيها السيد المحترم لأنك رَحِمْتَ خَلْقا من خلقه، وعبادا مِن عِباده. رَحِمْتَ مَن في الأرض فَرَحِمَكَ مَنْ في السَماء. رحمتَ مَن تقدر عليه فرحمكَ مَن يقدر عليك. أيها السيد المحترم ، لِتفتَخر زوجتك في بيتك وتقول أنا محترمة في بيتي وسيدة مكرّمة لأن زوجي مسلم . أنا سيدة هذا البيت وعموده الفقري وأن زوجي هو سيدي وحبيبي والنور الساطع في بيتي. ولا تجعلها مقهورة ، مهمومة ، كئيبة وحزينة ، سكنتَ إليها وقت الضيق والحرج فكانت لباسا لك وسكنا طالما أويتَ إليه حينما كنتَ تنشد السكينة والطمأنينة. واليوم أيها السيد المحترم تريد أن تبررلها ولنا بأنك لم ترتكب أي خطأ بحقها : أنا لا أنكر ذلك وإنما لا أريد مواصلة العيش معها. لا أستطيع تحمل المزيد، أنا لا أنكر أنها كانت طيلة الوقت أنسانة محترمة لكنها الآن قد تغيرت. هذا هو معظم قول الذين يريدون الطلاق من الرجال ، إنهم يحاولون أن يظهروا بالمظهر اللائق الذي يحفظ لهم ماء الوجه أمام الأقرباء والأصدقاء. أيها السيد المحترم ، إن الذي يجب أن تجتهد فيه وتحرص عليه هو : ان تحفظ ماء وجهك أمامَ المُحسن المُجمل المُنعم المُتفضل الذي بجليل النعم من مال و حسن حال. مَنّ عليك بالعِلم والفَهم ، فبدلا من الشكر على ما أولاك خالقك الذي خلقك من ماء دافق : " فَلْيَنْظُرِ الأنسانُ مِمَّ خُلِقْ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دافِقٍ يَخرُجُ مِن بينِ الصُّلبِ والتَّرائِب " . بدلا من الشكر على نعمة العِلم أيها السيد ، بدأت تنظر إلى زوجتك على أنها إنسانة متخلفة ،أميّة جاهلة . أيها الزوج المحترم لقد كتبتَ مقالا رائعا وألفتَ كتبا نفدت طبعاتها بسرعة ، كتبتَ كثيرا وعلّق على مقالاتك وكتاباتك عدد كبير ممن لهم مقام في المجتمع وآخرون ممن لهم مقامات عاليات عند ربهم لا يعلمهم إلا قليل. كل من هؤلاء وهؤلاء قد أثنوا عليك وآمّلوا فيك خيرا وأحسنوا فيك الظن. ولكنك بدل شكر المولى المتعال على ذلك ، بدأت تصعر خدّك وتنظر بطرف عينك إلى زوجتك وأهلِك ناكرا وناسيا بأن ذلك ما كان ليكون لولا توفيق الله تعالى لذلك ، ومن تلك التوفيقات أن هيّأ لك هذه المخلوقة ورزقك هذه الزوجة الصالحة التي أجتهدت كثيرا في تهيأتها لك أجواء البحث والدراسة والكتابة في وقت كانت هي بأمس الحاجة بأن تعتني أنت بها وتوفر لها جوّ السعادة والهناء. أيها السيد المحترم والزوج العزيز إن التواضع ليس كلمات تملأ بها مسامع زوجتك وأهلك لتدللَ على كبرك وتكبرك وتزعم أنك ذلك المتواضع الذي لايعرف معنى التكبر. لم يكن التواضع يوما كلام نقوله بمناسبة أو من دون مناسبة. التواضع كما أشرنا في المعنى في الأجزاء المتقدمة هو فعلٌ يراهُ الأخرون ، لا قولٌ يسمعه الأخرون. فعلٌ له طعمه ولونه ورائحته. لا قولٌ فقط ، عديم الطعم واللون والرائحة. المتواضع لا يذّكر الناس كلّ مرّة بأنه يتواضع دائما. المتواضع يتواضع وكفى. ألم ترّ أني قد وضعت نقطة بعد كفى.

    أيها السيد المحترم قد منَّ الله تعالى عليك بالأهل والعشيرة والأقرباء والأرحام فيجب عليك أن تُشْعِرَ زوجتك بأنها بين أهلها وأحبابها وأن تقول لها أيها المحترم : أن أهلي هؤلاء هم أهلك وهم أجنحتك في التحليق في سماء الرحمة والمحبة والتراحم. إنك أيها الزوج العزيز بدلا من ذلك أخذت تنكّل بها أمامهم ، تظهر عيوبها ، تنكر حسن صنائعها ، للأسف قد أشبعتها إهانات وتنكيلات ، لأنك بمأمن من أهلها وأرحامها ، حطّمتَ مشاعرها لتخلقَ منها زوجة منكسرة تشعر بالوحدة والوحشة والخيبة وأنتم كثيرٌ ما شاء الله.

    إتقِ اللهَ فيها، وإحذر فـ " إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لشَديد ". أيها السيد المحترم بادر وإعتذر لها عاجلا غير آجل وإعلم أنه : " مَن كَسَرَ مؤمنا فعليه جَبْرُه.. ". ـ الخبر ـ



    هَدَمَ كوخي وأنا غائبة :

    يُحكى أنه كان هناك كوخ صغير من طين أمام إحدى شرفات قصر أحد الملوك. صاحبة ذلك الكوخ إمرأة عجوز قد تقدم بها العمر وليس لها من دون الله من وال. في أحد الأيام خرج الملك إلى تلك الشرفة فوقع بصره على ذلك الكوخ الصغير البسيط ، فإستاء كثيرا من ذلك المنظر وقال : كوخٌ من طين أمام قصري يفسد عليَّ حلاوة التمتع بجمال قصري المتعدد الشرفات. سأل حاشيته : لمن يعود هذا الكوخ ؟ فأجابوه بأن صاحبته إمرأة عجوز لا أحد ـ من البشرـ عندها هنا. إستاء أكثر حينما سمع أن إمرأة عجوزا قد حطت رحالها أمام قصره الفخم فأمر الخدم والحُراس أن يذهبوا فورا ويهدموا ذلك الكوخ ، وفعلا فقد هدموه تماما. جاءت تلك العجوز التي لم تكن حاضرة ساعة الهدم ، لقد هالها المنظر وتألمت كثيرا حينما رأت كوخها أصبح هبابا يبابا. صرخت المسكينة بأعلى صوتها : مَن هدم كوخي الذي لا أملك سواه. قالوا لها بأن المَلِك هو الذي هدمه. لم تقل شيئا وإنما إبتعدت قليلا وذهبت بقلبها المنكسر ودموعها الغزيرة ، ذهبت إلى مَلِك المُلوك تبثُ إليه حَزنها. رفعت يديها إلى السماء وخاطبته قائلة : هَدَمَ كوخي وأنا غائبة ، فأينَ كُنتَ أنت. يقال أن الله تعالى أمر مَلَكا أن يهبطَ إلى الأرض ويضرب بجناحيه القصر ومَن فيه ويسويه بالأرض إنتقاما لأمَتِه تلك التي لجأت إليه في تلك الشدة. لايهمنا سند هذه القصة وهل هي فعلا واقعية أم هي من قَصَص الوَعظ. الذي يهمنا هنا لا التحقيق في القصة. بل التدقيق بالمعنى والمغزى.



    وإذا بُشِّرَ أحَدهُم بالأنثى :

    هو أحد الأسباب التي تطفو على السطح فجأة لتكون عاملا آخر من عوامل عدم الأنسجام المتولد في منتصف الطريق أو في نهايته. بعيدا عن الأسباب البايلوجية وبعيدا عن قانون مندل وغيره من قوانين الوراثة ، بعيدا عن الجينات والكروموسومات وتشعباتها، نتساءل ونقول : هل من الأنصاف والعدل أن نلوم الزوجة حينما يتلطف سبحانه وتعالى علينا بمولودة أنثى. حتى لو علمنا ـ جَدَلاـ أنها هي المسؤلة وراثيا عن ذلك ، فهل من الأخلاق أن نلومها على أمرٍ خارج عن نطاق سيطرتها وتحكمها. إن النساء ـ جُلُّ النساء ـ تتحمل العقم من الرجال ولا يطالبن بالطلاق مع حبهن للأنجاب وتطلعهن لأن يصبحن أمهات كسائر النساء ينعمن بالذرية حولهن. من المخجل حقا أن نرى ونسمع بأزواج قد عزموا على الطلاق بسبب المولودة الأنثى وينتمون إلى الأسلام، والأسلام هودين الأنسانية وديدنها.عزة في الحياة وبعد الممات. الأسلام نصفه عبادات وتلك بيننا وبين الله تعالى . ونصفه الآخر معاملات وهي بيننا وبين الناس أيها الأنسان المحترم. إن الله تعالى هو علاّم الغيوب وهو وحده يعرف الصلاح لنا. قال سبحانه وتعالى : " للهِ مُلْكُ السَماواتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إناثاً وَيَهَبُ لِمنْ يَشاءُ الذُكُورأو يُزَوِجُهُم ذُكْراناً وَإناثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشاءُ عَقيماً إنَّهُ عَليمٌ قَدير ". بعيدا عن علم التفسير الذي لا ندعي معرفته أبدا، لست أنا العبد الفقير الذي لم أوتَ شيئا من العلم، لا بل حتى بعض العلماء الأجلاء ممن لايميزون بين آية من كتاب الله وبين الحديث الشريف وكثيرٌ ماهم . التفسير هو علم العلوم وله رجاله على أية حال. نعم ليس من باب التفسير ولكن من باب التدبر في الآيات الشريفات ، نضرب المثال التالي : لو أن مِن أعزتنا وهب لنا في إحدى المناسبات هدية معينة ، سواء أعجبتنا الهدية أم لم تعجبنا فهل من الأخلاق والآداب أن نقول لهذا العزيز علينا أن هديتك هذه لا تناسبني ، إنك أهديت غيري غيرها. إذا كان الجواب بالنفي ـ وهو قطعا كذلك إذا صدقنا بأننا أصحاب نفوس كريمة ـ فكيف إذن بنا والواهب والمعطي لتلك الهدية هو الخالق الباريء سبحانه وتعالى. إن الخالق الواهب هو الذي يختار ويعطي مايريده هو وليس ما نريده نحن. إن الله تعالى قد قدّم الأناث على الذكور لتبيان منزلة المرأة في الأسلام بعدما كانت تؤد من غير ذنب إلاّ كونها أنثى لا غير ، وهذه الجريمة البشعة التي تقشعر لها الجلود كانت متفشية في الجاهلية فهي تسير بموازاة عبادة الأصنام فمن الطبيعي يكون البعيد من الله قريبا من الرذائل ، والقريب من الله يكون قريبا من الفضائل وبعيدا عن العيوب والذنوب. إن الأسلام يفتخر بالمرأة المسلمة الصالحة وقد ذكرها في القرآن المجيد. وجاء الرسول الكريم لأستنقاذ العباد من الشرك وأوزاره وتبعاته، وواد البنات أخس تلك التبعات المقيتة السيئة الذكر واالصيت جدا.



    فاطمة بضعة مني :

    بعد شعار الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، الذي حطّمَ الأصنام صداه ، وزلزل الأرض تحت أقدام قريشٍ التي كانت لا تقهر. جاءت الضربة القاضية من لدن منقذ العباد من الهلكات ومدخلهم نعيم الجنات، الحبيب المصطفى نبيّ الرحمة وإمامها ، تلك الصرخة الأنسانية العظيمة قبالة وأد البنات وإحتقارهن وسحقهن تحت الأقدام ودسهن في التراب وهن يبتسمن بوجوه آبائهن ولا يعلمن أية جريمة تلك التي إدخرها أولئك الأباء المشركون الجاهليون الذين قست قلوبهم وعميت أبصارهم وأفئدتهم هواء. وما أشبه الليلةَ بالبارِحَة !

    إن النبي ـ ص ـ أراد أن يوضح تلك المنزلة العظيمة للسيدة فاطمة عليها السلام في وقت كانت البنت فيه تدفن حيّة في التراب بدون ذنب سوى أنها أنثى، والأنثى عار على الأهل والعشيرة. يحدثنا التاريخ عن سبب تلك العادة ـ الجريمةـ وليس وقت تفصيلها الآن، ويحدثنا التاريخ أيضا عن قصص غريبة مؤلمة قد أبكت رسول الله ـ ص ـ وهو يستمع ممن أسلم فيما بعد وكان قد وأد أبنته ظلما وعدوانا. تجاوزتها هنا ولم أذكرها لبشاعتها لأني كلما وقع نظري عليها وأنا أقلّب صفحات تاريخ الجاهلية الأسود وأقف على هكذا مصائب أجهش بالبكاء على الأنسانية التي كانت تذبح كل لحظة بدون جرم . جاء الأسلام ليقول :" الأنسانُ بِناءُ اللهِ ، مَلعونٌ مَن هَدَمَه ". ويأتي تكريم السَماء لفاطمة عن طريق الوحي وعن رسول الله ـ ص ـ . لقد أطلقها الحبيب المصطفي صرخة وَأدَتْ قريش المشركة وإلى الأبد : " فاطمة بضعة مني... ". فهي روحي. وروح النبيّ الذي لا ينطق عن الهوى ليست كسائر الأرواح. فأيّ منزلة هذه التي إعطاها الله سبحانه وتعالى لفاطمة.

    : رِضا الله مِن رِضا فاطمة وَغَضَبَهُ مِنْ غَضَبِها... ". وقوله ـ ص ـ : " فاطمة روحي التي بين جَنْبَيّ ". وأحاديث شريفة بخصوص فاطمة صلوات الله عليها وذلك لعظيم منزلتها عند الله ورسوله. وأحاديث شريفة أخرى بعموم المرأة ومكانتها في الأسلام ، دين الرحمة والأنسانية والشفقة والأحترام والعطف والمودة في القربى لأولي الألباب. فجعل الجنّة تحت قدميها إن هي أنجبت. وبها يكمل الدين، حيث أن الرجل يكمل نصف دينه في الزواج. وجعلها حسنة في البيت ويثاب عليها الوالدان. صدقني أيها الزوج المحترم لو إطلعتَ أنت الذي هجرت زوجتك لمجرد أنها أنجبت لك أنثى ، لو إطلعتَ على الجوائز والهدايا التي أعدها الله للبيت الذي فيه رائحة الأنثى لكنتَ لاتطلب من الله تعالى إلاّ أن تلد زوجتك بنتا مُباركا لها قبل ولادتها. لا يُفهَمُ أني أريد أقناعك أيها المحترم بكلمات لطيفة رقيقة تداعب مشاعرك. أبدا لم يكن ذلك توجهي منذ أن شرعت بكتابة الجزء الأول من موضوع الطلاق.

    لكني أردت أن ألفت إنتباهك إلى خير عميم لا تدعه يفوتك. أرشدك أن وثقتَ بي إلى وليمة وأيّة وليمة ! إنها وليمة دعا لها أكرم الأكرمين وهوالجواد الذي يبتدأ بالنعم قبل إستحقاقها ،وهو الذي ليس في حكمه ظلم وهو الذي لا يعجل. إنما يعجل مَن يخافه الفَوت، وإنما يحتاج للظلم الضعيف كما يصفه سيد الموحدين وأمير المؤمنين ويعسوب الدين وخير خلق الله بعد الصادق الأمين.

    أيها الزوج الكريم ، يامن تتوارى من أقربائك ومعارفك وأصدقائك حينما تبشّرك زوجتك بأنها قد وضعت أنثى ، هل ترضى لنفسك أن تُحاسب حساب عبدة الأصنام . كم مرّة نأد بناتنا من حيث لا نعلم. قرأت يوما أن زوجا قد أنجبت له زوجته بنتا، فخيرها بين أمرين أحلاهما مُرٌّ : إما الطلاق وإما أن تتخلى عن تلك المولودة المباركة. إنها جاهلية ثالثة وهي أدهى وأمر من الجاهليتين السابقتين. مقرفٌ جدا موقف ذلك الزوج المغفّل. أنا العبد الفقير، أنجبت لي زوجتي فاطمة فأكرمتها كثيرا لأنها أفرحتني كثيرا. بعد مدة من الزمن سألتني أهلي : ماذا تتمنى على الله أن يرزقنا ؟

    أجبتها وبدون تردد : ما أسعدنا لو رُزقنا بزينب إلى جنب فاطمة.

    تفضل الله علينا بزينب. كانت فرحتنا أكبر من الأولى لأن زينب غريبة عن أهلها ومدينة جدها. قلت لزوجتي : أكرمِ مثوى هذه البنية وإعتني بها كثيرا. لأن أسم زينب كفاطمة ، أسم هبط إلى الأرض من أعلى السماء. إنها أسماء ربانيّة نجهل مكنون أسرارها قلت لزوجتي.

    بعد مدة أخرى أعادت زوجتي عليّ السؤال :

    والآن ماذا تحب أن يرزقنا الله ؟

    أجبتها : يا أمَة الله أما رأيتي أن رقية كانت حتى بعد إستشهادها ملازمة لعمتها زينب. والله أنا أدعوا الله ـ إنْ شاركتِني الرأي ـ أن يرزقنا رقية.وكان ذلك بفضل الله ورحمته.

    أيها الزوج المحترم أقولها بصدق : أتعلم ماذا يعني أدعو الله أن يرزقنا رقية. لقد ذهبنا إلى الرِضا من آل محمد عليه السلام وتوسلنا به وقدمناه بين يدي حاجاتنا وطلبنا بواسطته رقيّة. لم أطلبُ يوما الولد قبل أن تقول لي زوجتي ذات يوم : هلا دعوت الله بأن يتفضل علينا بالولد الذكر الصالح. قلتُ لهل ممازحا : "هُنالك دَعا زكريا ربّهُ قالَ رَبِّ هبْ لي مَن لَّدُنْك ذُريّةً طيّبةً إنّكَ سميعُ الدعاء".{الآية الكريمة }.

    أيها المحترم الكريم ، شَهِدَ اللهُ أني أكرهُ أن أتحدث عن إيجابياتي التي إن وُجدْت فهي لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. لكن الأسترسال في الحديث قادني إليها قسرا وهذه أحدى عيوبي التي يجب أن أشتغل بأصلاحها كثيرا وأعدكم بذلك ان شاء الله تعالى.

    أيها الزوج الكريم ، يامن تتوارى من أقربائك ومعارفك وأصدقائك حينما تبشّرك زوجتك بأنها قد وضعت أنثى ، هل ترضى لنفسك أن تُحاسب حساب عبدة الأصنام ومشركي قريش ؟؟

    إذهب إلى زوجتك وإعتذر منها وقبّل يديّ تلك البنت التي هجرتَ أو عبستَ بوجه أمها بسببها. نعم.. قّبّلْ يديدها لأنها هبة من الله تعالى. فعلينا تكريم الهبات وخاصة حينما تكون من عند المولى سبحانه وتعالى. أنا أقبل أيادي أولادي جميعا في الأعياد والمناسبت لأنهم هبات وهدايا منّ الله عليهم بيّ فيما يمن به على عباده المقصرين المذنبين.

    لا يفهم من عرض الكلام أن المولود الذكر ليس مباركا فيه وأنه نقمة وليس نعمة والعياذ بالله. كل الذي نريد قوله أننا يجب أن نشكر الله تعالى على حسن عطائه ومننه وإحسانه ولطفه وجوده وكرمه. ليس حسب رغبتنا، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى هي أننا نجهل الصالح لنا ولا نعلم الغيب. ولهذا دائما نقول اللهم يسّر لنا ذلك الأمر إن كان فيه صلاح لنا، وإن لم يكن فيه صلاح لنا فآصرفه عنا. أليس كذلك ؟

    للدعابة أذكر هذه القصة :

    الشيخ والأستخارة :

    قصة قد سمعها جلّ الذين عاشوا في النجف الأشرف. كان أحد الشيوخ الأفاضل من الخطباء قد ـ مسه ـ الفقر ، فساءت أحواله وأخذت تتدهور أوضاعه. خرج من بيته في ظهيرة أحد أيام شدة القيض وهو لايدري ماذا سيفعل. حمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله وسلم عليه وآله وأخرج مسبحة من جيبه وبدأ يستخير الله تعالى. في الأستخارة الأولى نوى أن يذهب إلى أحد أرحامه ويقصّ عليه القصة بما أُنْزِلَتْ، فكانت نتيجة الأستخارة : لا تفعل. فيها نهيٌّ شديد. في الأستخارة الأستخارة الثانيّة نوى أن يذهب إلى أحد أصدقائه ويخبره بالحال ونفاد المال فكانت النتيجة : لا تفعل. فيها ندم شديد. وثالثة ورابعة وخامسة ، والنتيجة ذاتها : الأستخارة غير جيدة وفيها محاذير. بدأ صبر الشيخ بالنفاد ولما وصل إلى نهاية ذلك الزقاق من أزقة النجف القديمة والوقت هو مابعد منتصف الظهر وفي شدة شهر القيض. إلتفت الشيخ وهو يتصببُ عرقا ويتضور جوعا ، إلتفتَ يمينا وشمالا فوقع بصرة على تلّة عالية بعض الشيء أمام أحد البيوت، فقال هذه آخر إستخارة سوف أستخير الله تعالى بها ، ونوى فيها الشيخ وقال : يإلهي هل أصعدُ على هذه التلّة وأرمي بنفسي إلى الأرض وأكسر أضلاع صدري وظهري؟ وإذا بالأستخارة تكون جيدة جدا. إفعل ولا تتردد. خير البِّرِ عاجله. ماكان للشيخ من بُدّ إلاّ أن صعد ورمى بنفسه إلى الأرض فإرتضت أضلاعه فأخذ يصرخ من شدة الألم ، وصادف أن تحت تلك التلّة يكون سرداب أحد التجار وكان نائما ولكنه أنتبه على دويّ وقوع الشيخ وصراخه فهرع يستعلم الخبر وإذا به يرى الشيخ فعرفه وقال له : ماذا تفعل هنا الساعة مولانا، وماذا حدث لك ؟

    أجابه الشيخ : ربك أمرني بذلك، وقص عليه القصص. إبتسم التاجر الصالح وقال للشيخ : ولكن كيف ترمي بنفسك إلى التهلكه. تبسم الشيخ وعقّبَ قائلا : التهلكة أمام بيتكم جناب الحاج هي مرحمة. فأجابه التاجر : حسنا فعلت ياشيخ أنا قبل أن أنام القيلولة كنت قد عزلت بعض الحقوق الشرعية وقد جئتَ في وقتك فأعطاه المبلغ وبدأ يطببه ويضمده.

    العِبرة من هذه القصة الطريفة هو أننا نجهل الصالح لنا من الأمور لأننا نجهل عواقبها. وهل الأمور إلاّ بخواتيمها ، وهل الأعمال إلاّ بعواقبها. أننا ندعوا دائما مَن بيده مَقاليد الأمور كلّها أن يجعل عواقبَ أمورِنا على خير ، فلو كنا نعلم العواقب فلمَ ياترى هذا الدعاء، والتوسل والرجاء.



    تغيّر الحال مع زيادة المال :

    سبحان مغيّر الأحوال من حالٍ إلى حال. ولكن ماذا جرى لك أيها العزيز. بالأمس كنت من الشاكرين الحامدين القانعين المستغفرين، واليوم إنسان آخر تماما. نراكَ لا تنتمي إلى الله، نراك لاتنتمي للفضل والكرم. نراك لا تنتمي إلى الحق ، لا تنتمي لشكر النعم. إنّك وللأسف أيها العزيز تنسى بسرعة وهذه هي مشكلتك دائما. نسيتَ كل شيء تقريبا. نسيت حينما كان الله تعالى قد إبتلاك بالفقر فكنت تقول لزوجتك القنوع بأن بعض كسرات الرغيف الحلال معجونة برضا الله تعالى لا تضاهيها أكلة ابدا. بالأمس كان كل الذي يصدر من فيك هو أقرب للمناجاة منه إلى المحاباة. لكن ومرّة أخرى ماذا جرى أيها العزيز. بضعة دراهم أو دولارت معدودة جعلتك تنظر إلى تلك التي وقفت معك أيام الفقر وهي تتجرع مرارته ولم تصارحك بذلك لأنها تراعي مشاعرك وتخاف الله فيك. ءَألآن وقد كنت من قبل معدما فمنّ الله عليك وأكرمك ونعمّك. إحذر أن يستدرجك الله تعالى من لا تشعر وتكون الأموالُ وقتها وبالا عليك. إنك أيها العزيز كنت كريما حينما لم تكن تملك شيئا أما الآن وقد لطف بك اللطيف بعباده ، فنراك أشتد حرصك وكبر. عجيب أمرك سيدي أنت تعيش الفقر في كل الأحوال. تعيش الفقر حينما تكون فعلا فقيرا معدما. وتعيش الفقر أيضا بغناك مخافة الفقر، ناسيا أن الذي تهيشه هو الفقر بعينه. فقر المال والحال، وفقر الأيمان وسوء الظن بالله. أيها الزوج العزيز كما لا يخفى على جنابك الكريم أن التوسعة على العيال أهم من الصدقة. كما جاء في الخبر. أن الله أمرنا أن نرزقهم من حيث رزقنا.



    حينما أردت الزواج :

    كنت بحاجة إلى بعض المال لتغطية نفقة الزواج الذي أساسا كان متواضعا فأهل الزوجة الكرام أبوّا أن يذكروا مقدار الصداق إلاّ أن السيد الجليل العالم الفاضل رحمه الله تعالى أمرهم أن يذكروا رقما معينا. الشاهد أني كنت بحاجة إلى بعض المال ، فقلت أدعو الله تعالى أن يرزقني ذلك. بدأت أقلّبُ الصحائف المقدسة ، الصحيفة العلوية ، الصحيفة السجادية والصحيفة الرضوية وكان الذي يهمني هو الدعاء لزيادة الرزق بدون النظر هل أن زيادته فيها صلاح لي أم لا. وماهو الصلاح ، الصلاح الذي أنا ـ العبد الفقير ـ أراه ، أَم أنه الصلاح الذي يراه المطّلعُ على الغيب والذي لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض. وجدت أدعية كثيرة ولكن الأمر لم يكن كما تصورت قبل أن أقرا تلك الأدعية الشريفة المباركة. كنت مثلا أقرأ : اللهم لا تعطني مالاً أطغى فيه. اللهم لا تعطني مالاً أظلُمُ فيه عبادك. اللهم لا تعطني مالاً ينسيني ذكرك، يزيّن لى الهوى، ويحول بيني وبين الطاعة والزلفى. عندها أيقنت أن الفقر الذي أعيشه هو الغِنى وأن الأمام صلوات الله عليه قد أدبني بذلك الدعاء وكأنّه كان يقول لي : ماذا تريد بالمال، لِتطغى، لِتتفاخر، لِتقول للأغنياء الذين منّ الله تعاى بالغنى والثروة أنا اليوم أحدكم ولستم بعد اليزم أغنى مني. كنت أشعر أن الأمام صلوات الله علي قد إستوقفني وسط ذلك الدعاء وكأنه يحذرني من عواقب المال إن أسأتُ إستخدامه لأنه قد يؤدي بصاحبه إلى المهالك كما أن ذات المال قد يكون من المنجيات إن أحسنت إستخدامه.ثم من قال أن الغنى هو الجيوب الممتلئة. الغنى هو القلوب الممتلئة بالقناعة والكفاف والشكر. وهل الغِنى إلاّ بذكر الله وشكره وحمده على أية حال. الحمدُ لله على أية حال. أيقنت حينها أن الغنى يكون بالزواج ، كما ورد في الحديث الشريف بهذا المعنى. فتزوجت ومن ثم طلبت من الله ودعوته أن يوسع على عيالي. بعد الزواج كنت أدعوا الله تعالى بلسان حال العيال الذين أرجوا من الله أن يرحمني بهم وان يسامحني على تقصيري المتواتر الدائم معهم جميعا، صغارا وكبارا، إناثا وذكرانا.



    الأعرابيّ وَرَبّه :

    يُذكر أن أعرابيا كان عنده مزارع وبساتين ومواشي وغيرها من أسباب الرزق الواسع وكان عنده عبيد ـ أيّام الرِّق ـ يملكهم . في أحد الأيام هرع العبيد كلهم إلى سيدهم، ذلك الأعرابي وأخبروه : هلّم هلّم أيها السيد فقد هلك الحرث والنسل!ّ!

    سألهم : مابكم. مالذي حصل ؟ أجابوه :

    لقد إحترقت بساتينك ومزارعك وما فيها ومن فيها من اولادك وارحامك. بإختصار أيها لسيد لم يبقَ لك إلاّ نحن ونفسك أنت. فردّ عليهم ذلك العرابيُّ قائلا :

    أنَّ اللهَ أرادَ أن يختبرني ، فّلأزيدَنّهُ :

    إذهبوا فأنتم احرارٌ لوجه الله تعالى.

    هذا الأعرابيّ كان مستعدا لذلك الأختبار فهو ليس كالذي يستدرجه الله تعالى من حيث لا يشعر. ذكرنا مرارا، شعرا ونثرا ، سرا وعلانيّة بأن المال من المتغيرات التي تتحول إلى أضدادها وأن الأخلاق والأيمان من الثوابت التي لا تزيحها الجبال أن تعمقت في النفس وتجذرت في القلوب والشواهد على ذلك لا تسعها هذه الصفحات المتواضعة.



    العالِمُ وَرَبَّه :

    كان أحدُ علماء النجف الأشرف يريد ماءً ليتوظأ فيه وقت إحدى الفرائض، ولم تكن وقتها إسالة المياه كما في عصرنا الحالي وإنما كان الأعتماد على مياه الآبار. كان ذلك العلم الجليل كلّما ألقى بدلوه في البئر لكي يحصل على الماء لِيتوظأ فيه ، يحصل عل الذهب بدل الماء، فيرميه في البئر ويعيد الكرّة مرّة أخرى ولكن نفس النتيجة في كلّ مرّة، الذهب بدل الماء، إلى أن أخذ العالِمُ الربنيُّ يجهش بالبكاء مخافة فوت وقت الصلاة وهو لم يحصل على الماء بعد. رفع رأسه إلى السماء متوسلا بالله تعالى وقائلا :

    إلهي أحمد يريدُ ماءً يتوظأ فيه ولا يريدُ ذهبا ، فمنَّ اللهُ تعالى على عبده الصالح بالماء بعدما وجده صادق المهجة عازما على الصلاة ومناجاة ربّه ولا يثني عزيمته الذهب الذي لا يساوي عنده حتى نحاسا.

    إعرابيٌّ وربّه ، عالمٌ وربّه. أين نحن وربنا. حطامٌ نعلم جيدا أنه إلى زوال ، لكننا وللأسف نلهث ـ أنا وأمثالي ـ وراءه. نصبغة بشتى الألوان حتى نخفي لونه الحقيقي، أحيانا نصنفه تحت عنوان : " قلْ مَن حرّم زينة الله ... ". كلمة حقٍّ يُراد بها باطل. نعم.. الله سبحانه لم يحرّم الطيبات من الرزق فلقد جعلها الله تعالى خالصة لعباده الصالحين، لكن الله تعالى حرّم الخبائث وأكل أموال الناس بالباطل وسلب لقمة التيم وهو " يَحْسَبُ انَّ مالهُ أخْلَدَه ". وكأنّ لا حياة لمن تنادي. وكأن الأنسانية في آذانها وَقرا. مؤلمٌ جدا أن أقول في نفسي كلّ مرّة أسمع فيها مناديا ينادي أرحموا هؤلاء اليتامى والمساكين، المرضى والمعاقين، أجل مؤلمٌ أن أقول : على مَن تقرأ مزاميركَ ياداود !!



    اللقمة الحرام :

    عامل آخر من العوامل الطارئة على الحياة الزوجية ويسلبها كل بهائها وجمالها ورونقها ولونها وطعمها. يحطمها ويمزق أوصالها شر ممزق. يرميها من شاهق فيكسر قوائمها. يُعيقها ويشلّ حركتها. في أيام الطفولة في النجف الأشرف إستمعت إلى أحد علماء العرفان والأخلاق : ترفع يديك أيها الأنسان ـ حاشا القاريء الكريم وألف حاشا ـ إلى الدعاء ولكن الدعاء لا يُستجاب لك. هل سألت يوما لماذا ؟ الجواب لأن خلايا يديك قد بنيت من الأكل الحرام فهي نجسة ومن شروط إستجابة الدعاء هي الطهارة وأية طهارة !! إنها ليست كطهارة الملبس بحيث من المتيسر إبداله أو تطهيره. إنها نجاسة داخليّة ، نجاسة اللحم والعظم. حتى لو صمنا من أجل هدم تلك الخلايا التي بُنيتْ من الأكل والشرب الحرام فكيف لنا أن نعلم أن ذات الخلايا هي بعينها قد تهدمتْ بالصيام. ناهيك عن المشاكل التي تتولد جرّاء ذلك والنطف التي تُخلق من هذه اللقمة الحرام. أجارنا الله وإياكم من ذلك وعافانا جميعا.



    الأعرابيّ وإمام الجَماعة :

    دخلَ أعرابيّ المسجد وقت صلاة إحدى الفرائض فوجد الأمام يصلي مستقبل القبلة وجماعة المصلين خلفه قد إستدبروا القبلة. إستغرب كثيرالهذا المنظر وحينما أخبر الجماعة بذلك رموه بالجنون فأخذ يدافع عن نفسه فإرتفعت الأصوات حتى تناهت إلى مسامع الأمام الذي كان يصلي بهم. إستدناه الأمام وأجلسه مجلسه مما أثار حفيظة المصلين فأمرهم أن أُسكُتوا ، فسكتوا. ثم سأل الأمامُ الأعرابيِّ :

    متى قدمِت إلى مدينتنا من قريتك ؟

    فأجابه الأعرابيُّ : الساعةَ يامولانا.

    الأِمام : لاشك أنك جائع ٌ. هل تحب أن تتناول بعض الطعام ؟

    الأعرابيّ : نعم مولانا. أشعر بحاجة إلى ذلك.

    الأمام : إذن إذهب إلى سوق مدينتنا وكلْ ما طاب لك وَعُدْ إلينا لتدرك الفريضة التالية.

    ذهب الأعرابيّ إلى السوق وكانت عامرّة ما شاء الله بكل مالذ وطاب من كل صنوف الطعام والشراب.

    ملأَ الأعربيّ جوفه وحمد الله أن أطعمه وسأله أن يشبع كل جائع ويرويَ كل ظمآن، لكن الأعرابيّ قد غفل عن شيْ مهم لم يضعه في حسبانه. المهم ، عاد الأعرابيّ إلى ذلك المسجد وكان قد حان وقت الصلاة مجددا، لكنه دُهِشّ حينما رأى المصلين يقفون للصلاة خلف الأمام وقد أستقبلوا جميعا القبلة كما الأمام.

    أنتظرَ الأمامَ إلى ان فرغ من الصلاة ، فتقرب منه وسأله : ماذا يحصل يامولانا ، لقد كنت جائعا فوجدت المصلين قد إستدبروا القبلة ولما شبعت رأيتهم قد إستقبلوها. تبسمَ الأمام الذي يرى بنور الله وقال له : ليس الأمر حيث تظن أنه بالجوع والشبع. أنه الحلال والحرام.زاد إستغراب الأعرابيّ وقال للأمام : يامولانا الله يشهد أني ما أكلت يوما الحرام. ردَّ عليه الأمام : ياهذا لقد جئت من قريتك وكنت فعلا لم تأكل الحرام فكان الله قد تلطفَ عليك بأن خصك بتلك الخاصية وهي أنك كنت ترى الناس على حقيقتهم. لقد كان أكلك في قريتك حلالا خالصا.حينما ذهبت إلى سوق مدينتنا لم تتأكد من مصادر الأكل ولم تبحث عن ذلك الورع الذي يبعيك الحلال، فكانت النتيجة أن دخلت جوفك اللقمة الحرام فأذهب الله تعالى عنك تلك الخاصية التي لا تجتمع مع الأكل الحرام فدخلتَ المسجد فرأيت المصلين كما يراهم سائر الناس.

    القصة واضحة ولا تحتاج إلى شرح مسهب وهي بإختصار شديد تعلل لنا أسباب الكثير من تصرفاتنا.



    الطامّة الكبرى :

    علّقت إحدى الأخوات الكريمات في أحد الأجزاء من موضوع الطلاق هذا، وتفضلت بأن تدخل الأهل يُعَدّ الطامة الكبرى، فثبّتُ ذات العنوان لأنه أحيانا يكون فعلا كذلك. وقد أشرت إليه بإختصار في مقدمة الجزء الأول. إن العامل السلبيّ الأكثر خطورة على الحياة الزوجية هو تدخل الأهل من الطرفين أو من أحدهما ، لا لغرض الصلاح والأصلاح. بل لغرض فرض الأراء وكسب ـ المعركة ـ إن صحّ التعبير، وقد رأيناه يصح أحيانا كثيرة. للأسف يشعر البعض أنه لم يتزوج من إبنت قوم وإنما دخل معركة معهم لا يعرف كيف السبيل إلى الخروج منها حتى ولو مهزوما بالطلاق. إن تدخل الأهل ضروريٌّ جدا لمن لايستطيع أن يتفق مع زوجته على حلّ مناسب يرضي كلا منهما. العيب ليس في التدخل وإنما العيب في العلاج والتقويم.

    عَحبتي لِسقمي صِحتي هي العَجَبُ

    وقد كتبت سابقا بعض الأبيات المتواضعة بهذا المعنى والشاهد فيها هو :

    يَهونُ الحالُ إن أنتَ أصلَحتهُ ويَزدادُ سوءً إذا مَرِضَ الطبيبُ

    إن الأهل الأعزاء عليهم مراعاة خصوصية ذلك البيت والقائمين عليه ولا يتعاملوا مع أبنائهم على أساس التبعيّة المقيتة التي تحدثنا عنها سابقا وفرّقنا بينها وبين الطاعة. طاعة الوالدين لاتجتمع مع معصية الله تعالى. إن مقولة : الغايّة تبرر الوسيلة هي مقولة الذين لا يجدون مبررا أخلاقيا لتصرفاتهم وتعاملاتهم مع الآخرين. إن شعار الصالحين الخيرين هو كما قال بعضهم : الغايّةُ تُهَذِّبُ الوسيلة. وفي العرفان أحيانا تتحدُ الغاية مع الوسيلة وتكون ملازمة لها ولا تنفك عنها. إن الكلمة الطيبة تصعد إلى السماء فلا بدّ ان تكون الوسيلة التي تعرج بها عاليا نقية طاهرة. أن المبدأ عند علماء الأخلاق هو أن التخلية قبل التحلية . أيّ التخليّ عن الأفكار السيئة التي أشرنا لها بشكل مبسّط آنفا وقلنا على الشباب هدم تلك الأفكار السيئة ومن ثم بناء الأفكار الصالحة. إن الدليل عند علماء الخلاق على هذا المبدأ هو قوله تعالى : " فَمَن يَكفُر بالطاغوتٍ وَيؤمِن بالله فقد إستمسكَ بالعروة الوُثقى لآنفصام لها والله سميعٌ عليم ". ومرّة أخرى أقول بأنني لا أدّعي أي عِلمٍ إطلاقا. نعم ، شيءٌ واحدٌ أدعيه دائما وهو الأسراف بالعثرات والسقطات فبدت لي عيوب سواي لشدة غفلتي عن عيوبي. وإلاّ كيف يرى عيوب الآخرين مَن كان مشتغلا بعيوبه، مشغولا بأصلاح حاله. نسأل الله العافية.



    إصلاح الحال :

    ذِكْرُ الله تعالى وقراءة القرآن الكريم لها بالغ الأثر في النفوس والأرواح. يعيش المتهجد بالقرآن لحضات ملؤها السعادة والسرور، كيف لا والمتكلمُ هو الله سبحانه وتعالى. علاّمُ الغُيوب وستّار العيُوب.

    الدعاء: إنّ الله أمرنا بالدعاء ووعدنا بالأستجابة. من مقدمات الدعاء ، الكون على الطهارة ، إستقبال القبلة والأبتداء بالصدقة وغيرها من الأمور فمن أرادها فليطلبها في مضانها وربما تناولناها يوما إن وفقنا الله تعالى لذلك. إن من أهم تلك المقدمات هو كما يقول العلماء الأجلاء هو إحضار القلب فلا قيمة للدعاء إطلاقا حينما نردده بألسنتا وقلوبنا عمّا نقول لاهية.

    معاشرة الصالحين وهجر رفاق السوء والحمقى. إن الأحمق يكفيه كما قيل فيه أنه إذا أراد أن ينفعكَ أضرّك.

    مقابلة الأساءة بالأحسان. أن نتذكر بأننا ـ العبد الفقير وامثاله ـ نُسيء ونحبُ أن يُغفرلنا.

    " قولٌ معروفٌ ومغفرةٌ خيرٌ من صدقة يتبعها أذىً ":

    الزوج أو الزوجة التي لاتتبع ما أنفقته من مال أو من كلام طيّب حسن لها الأجر عند الله تعالى وتكون حياتها هانئة مطمئنة لأن عدم المن من المنفق تعني الزيادة من المخلف.



    لقد إختصرنا البحث المتواضع هذا كي لا نرهق القاريء الكريم ونأخذ المزيد من وقته. راجيا من الجميع العذر والمسامحة وبراءة الذمة إن صدر مني خطأ أو تجريح أو تقريح لم ألتفت إليه ولم أتعمده. كما أني لم أخص بالكلام لامن بعيد أومن قريب شخصا بعينه. بل كنت أعني حالة جماعية ومشكلة إجتماعية. لن أدعي لا اليوم ولا قبله ولا بعده العلم وعدم النقص. بل العكس هو الصحيح أنا المحتاج للوعظ ، لآني أراني ذلك المقصر الذي يزداد تقصيرا مع عياله وأهله وأصدقائه وأرحامه، فكيف إذن مع خالقه وسيده ومولاه. ندعوا الله مخلصين أن يغيّر سوء حالنا بحسن حاله، ويجعلنا من خيرة عباده . ليس لي وسيلة إلاّ أن أقول : " اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك فإني أتوجه إليك بوجه نبيك محمد وآل محمد أن تصلي على محمد وآل محمد وأن لا تستبدل بنا غيرنا.

    نسأله تعالى أن يتلطف علينا بالمغفرة وأن يرحمنا برحمته الواسعة وأن يجعل ماكتبناه وما قرأتموه حضراتكم خالصا لوجهه الكريم وأن يجنبنا جميعا ما يهمنا وما لا نهتم به من أمر الدنيا والآخرة.

    وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.





    محمد حغفر الكيشوان الموسوي




      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد يونيو 30, 2024 8:07 am