العودة للصفحة الرئيسية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مُجمع ألـزهراء ألأسلامي


    إلهي قلبي محجوب.. إلى متى؟

    mohammed jafar alkeshwan
    mohammed jafar alkeshwan


    عدد المساهمات : 20
    نقاط : 63
    تاريخ التسجيل : 14/02/2010

    إلهي قلبي محجوب.. إلى متى؟ Empty إلهي قلبي محجوب.. إلى متى؟

    مُساهمة من طرف mohammed jafar alkeshwan الجمعة أكتوبر 15, 2010 2:13 am

    اعتدنا أن نقرأ المقطع الأخير من دعاء الصباح لمولى الموحدين وأمير المؤمنين عليه السلام " إلهي قلبي محجوب ، ونفسي معيوب ، وعقلي مغلوب ، وهوائي غالب وطاعتي قليل ومعصيتي كثير... " عند البدأ بقراءة دعاء كميل في كلّ ليلة جمعة ، وذلك لتهيأة القلب بالتوجه إلى الخالق الباريء عزوجل وعدم إنشغاله بما عداه من أمور الدنيا الدنيئة الفانية ، وفي هذا المقام أذكر أني منذ طفولتي وإلى يومنا هذا كنت مواظبا على قراءة دعاء كميل في كلّ ليلة جمعة وأعتبره من أهم أعمال تلك الليلة المباركة ، ولكني أعترف ـ وهذا هو المهم ـ بأني ولا مرّة واحدة من أيام عمري قرأت هذا الدعاء كما ينبغي أن يُقرأ ،حتى في أيام هذا الشهر الفضيل. فالقلب لازال محجوبا. وحينما أصل إلى " وطاعتي قليل ، ومعصيتي كثير " أقول آه ثم آه متى تبدل هذه مكان هذه. متى تكون طاعتي كثير ومعصيتي قليل ، ولكن التمني رأس مال المفلسين أمثالي...



    صديقي السنيّ وداء كميل :

    كان لي جار واخ وصديق من أبناء السُنّة وصادف ان سألني عن الأختلاف بين المذاهب فقلت له دع عنك هذا ، إنها ليلة الجمعة ، أدعوك أن تتفضل عندنا لنقرأ دعاء كميل. لبّى الجار العزيز والأخ الكريم الدعوة وحضر في الموعد الذي إتفقنا عليه. أسبغ الوضوء وجلس مستقبلا القبلة وتصدق ببعض المال وبدأ يستغفر الله ويثني عليه وصلى على النبيّ وآله مئة مرة ثم توجه إلي وقال أنا الآن مستعد للدعاء. قلت ياخجلتي من ربي ، أنا أفنيت عمري أردد كالببغاء : إلهي قلبي محجوب دون أن أعمل جاهدا لإزالة تلك الحجب عنه. إلتفت إلى صديقي : إن الأجدر أن يقرأ الدعاء جنابكم وأنتم في هذه الحالة من الأنقطاع إلى الله تعالى ، ولكنه أبى ذلك وقال بتواضع شديد : أيها السيد لقد جئت لأكون مستمعا لامتكلما.

    بدأت بقراءة الدعاء كعادتي حينما أقرأ صحيفة يومية ، منشغلا عن الدعاء بكل ماعداه وقدد رددت بكل وقاحة في البدأ : إلهي قلبي محجوب... .

    كان صديقي الكريم يستوقفني عند كلّ مقطع من مقاطع الدعاء الشريف الذي كنت أمرّ عليه مرور الكرام لأني أريد قراءته بأسرع وقت ممكن كي أتفرغ للنقاش والجدال الذي هو شغلي الشاغل. واصلت القراءة ولكن صديقي لم يستوقفني عند عدة مقاطع قرأتها ، ألتفت وإذا أراه مغشيا عليه من شدة الخوف والفزع.أحضرت له الماء وحينما إنتهينا من الدعاء ودعني على أمل اللقاء في الأسبوع القادم. مرت أيام الأسبوع ولكن صديقي لم يأت كما وعدني. ذهبت لأستفسر عن حاله فوجدته جالسا في مصلاه ولكنه إعتذر إليّ عن الحضور لقراءة دعاء كميل وقال لي : أستحي من ربي أن أناجيه وقلبي لا زال محجوبا ...

    أخذت الموعظة والدرس البليغ وإنصرفت.





    حتى في المساجد والمراكز الأسلامية:

    كالعادة منذ ما يقرب من ثلاثين عاما ، نجتمع بعد صلاة العشاء الأخير من ليلة الجمعة لنقرأ دعاء كميل. نتسابق فيما بيننا للفوز بالمكان اللائق في صدر المجلس لأن الجلوس في وسطه أو حيث ينتهي بنا هو أقل شأنا وأدنى منزلة. وكما جرت العادة أيضا أن نأتي بملابس العمل التي تزينها الأصباغ والدهان والرائحة الخاصة المنبعثة منها. إستقبال القبلة ليس واجبا ، المهم هو حصول النيّة ، هذا مانردده دائما حينما يُطلب منا فعل ذلك. تبدأ بعد ذلك مراسيم توزيع الشاي التي تكون ناقصة إن لم ترافقها صيحات الله بالخير. قبل البدأ بالدعاء الشريف نشرع بالمستحبات ، نبدأ بإستغابة من لم يحضر مجلسنا. إن تفقد الأخوان عندنا هو ليس بالسؤال عنهم وإن طال غيابهم. بل بتجريحهم وتشريحهم ووصف كل من لم يحضر مجلسنا بانه ضل الطريق والحمد لله الذي عافانا مما إبتلاه فيه وهو في واقع الأمر قد أبتلي هذا المسكين فينا ، فما أجملنا وقد تختمنا باليمين والشمال بالعقيق والفيروز. وما أطيبنا وقد تطيبنا بالعطور الفرنسية الزكية ، أما قلوبنا فلا تحتاج إلى إقبال وإحضار لأنها سوف لن تقبل لافي ليلة الجمعة ولا في يوم الجمعة.

    بعد أن نفرغ من أول المستحبات ، نشرع بالمستحب الثاني وهو التندر ومتابعة آخر نكتة وطرفة نزلت الشارع ونبررها طبعا بـ " مزاح المؤمن عبادة " وكذلك بـ " المؤمن هش بش ". المستحب الثالث هو النقاش والجدال العقيم. ليس المهم الموضوع الذي نناقشه فنحن مختصون بكل شيء يطرح للنقاش ، المهم هو أن نناقش ونجادل ونتبادل أطراف الحديث ونتشنج ويصرخ بعضنا بوجه بعض إن دعت الضرورة لذلك. الملفت للنظر أن أحدنا قال لي ذات مرّة أن الطبيب النفساني قد نصحني بالصراخ كي أفرّغ الشحنات التي تسبب لي الضيق والشعور بالكآبة. لقد إقتربنا من قراءة الدعاء وهاهو القاريء يطلب منا التوجه لله تعالى. ما أن نسمع ذلك حتى ينظر كلّ واحد منا إلى ساعته اليدوية. البعض ينصرف مسرعا لأن الوقت قد تداركه ولايمكنه الغياب أكثر من ذلك عن العيال الذين في إنتظاره. يودعنا كالعادة الدارجة ، نسألكم الدعاء. البعض الآخر الذي آثر البقاء والدعاء يتدارك إلى المستحب الأخير وهو التدخين خارج المجلس وهذا المستحب يفتح الباب أمام مستحبات أخرى ، فالذين لم يحضروا مجلس المستحبات وجاءوا متأخرين يمكنهم أن يتداركوا ذلك عند الباب. هؤلاء قد إصطحبوا العيال معهم فليسوا على عجلة من أمرهم ، كما أنهم قد أحضروا لأولادهم الكرات ومضارب التنس كي لا يشعروا بالملل والكلل. القاريء أو الخطيب تراه يكرر بإستمرار : صلوا على محمد وآل محمد ، أي أسكتوا وأنصتوا أيها المؤمنون. غالبا ما تكون ردة فعلنا هي أن نبتسم إن لم نقهقه عاليا. حينما يصل القاريء إلى المقطع الأخير : " وإليك ياربي مددت يدي " نرفع أيدينا جميعا والفرحة تغمرنا لأننا نعرف وقتها أن الدعاء أوشك على النهاية. إنتهى الدعاء.

    التعقيبات هي ذاتها المستحبات التي إبتدأنا بها. كلّ شيء عندنا حلزوني يعيد نفسه ويتكرر. فراغ روحي وإدبار بإمتياز.



    إنّكَ تدعوني فأولّي عنك :

    دعاء الأفتتاح هو نظير دعاء كميل من حيث المواظبة على قراءته في ليالي الشهر الفضيل. دعاء عال المضامين ولكننا نردد ألفاظه كلّ ليلة دون الوقوف على معانيه. تزدحم بنا الأسواق في أول ليلة من الشهر وفي ليالي القدر المباركة وفي ليلة العيد. أنه شهر رمضان ، شهر إعداد أنواع الحلوى وكلّ مالذّ وطاب. شهر إجتماع الأهل والأصدقاء على الموائد الفرعونية المزخرفة بأنواع الأطعمة التي نطلب من أهلنا أن يحسنوا إعدادها ويبيضوا وجوهنا أمام الضيوف. إنه شهر رمضان ، شهر السهر إلى السحر تزينه لعبة المحيبس والبقلاوة. نجتمع على زاد تذهب لذته حال الإنتهاء منه ونهجر المائدة الربانية المشتملة على كلّ أصناف الرحمة والمغفرة والفلاح والنجاح والفوز بالجنّة والعتق من النار. شهر دعينا فيه إلى ضيافة الله ، ولكننا للأسف الشديد قد ولينا عنه وتبغضنا إليه.



    العبد الصالح :

    هكذا كان يسميه البعض ، عالمٌ ربانيٌ من علماء النجف الأشرف. دعانا للأفطار عنده في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك وأصرّ على والدي أن أكون معه وكنت حينها لم أبلغ الحلم بعد. دخلنا البيت فإستقبلنا إستقبالا منقطع النظير حتى أنه قد إنحنى ليسلم عليّ ويصافحني. حان موعد الأفطار وإذا بالعالم الجليل أعدّ مائدتين مختلفتين تماما. الأولى غنيّة بالرز والزعفران والسمك والدجاج وأنواع الخضار والفاكهة وأطباق الحلوى الفاخرة ، أمّا المائدة الثانية فكانت كما نسميها نحن العوام : قوت الذي لايموت ، أبريق من الشاي وبضعة تمرات وخبز ولبن. توجه العالم إليّ وقد علت محياه المشرق إبتسامة تدل على الرضا والقناعة وقال : لاحرج عليك يابنيّ إختر لنفسك مائدة تجلس عليها وتأكل منها. فهذه من حلال خالص وهذه من حلال خالص. نظرت إلى والدي لأقرأ نظراته ولكني وجدته قد أطرق إلى الأرض، فعلمت أن الدرس لي وأنا المقصود به. قلت للعالم الجليل : مولانا الكريم صحيح أن مالكم من حلال خالص ولكن لاشبه بيين المائدتين إطلاقا فالأولى المزخرفة هي أكل الأغنياء والثانية شبه الخاوية هي أكل الفقراء وجنابكم أهل الكرم والجود. تبسم العالم الربانيّ وقال : لو عكست لأصبت ، الأولى المزخرفة هي للفقراء الذين لايستطيعون ضربا في الأرض ، والثانية هي أكل الأغنياء الصالحين. الغنيّ هو الذي يطعم الفقراء. لقد كان جدك زين العابدين طوافا على بيوت الفقراء طيلة أيام السنة يحمل على متنه كلَ مايحبه من الطعام ليوزعه على المنكسرة قلوبهم وحينما كان يُسالُ عن ذلك يقول : " لن تنالوا البِرَ حتى تنفقوا مما تحبون ". إعلم يابنيّ أنك لو أكلت من هذه ، واشار بإصبعه إلى المائدة الأولى المزخرفة ، فلا أجر لك ولسوف تتعرص للمساءلة عن النعيم ، وهل ستقوى على الوقوف هناك هنيئة. أمّا أنك لو أكلت من هذه ، وأشار بإصبعه إلى المائدة الثانية ـ خبز وتمر ولبن ـ فسوف تحظى بالمائدة الأولى وزيادة ، ثم واصل حديثه : ولحساب الزيادة أحسب معي كم ستكون وفقا لهذه الآية الشريفة : " مثلُ الذين يُنفقون أموالهم في سبيل اللهِ كمثل حبةٍ أنبتتْ سبْعَ سابِلَ في كلّ سُنْبُلَةٍ مِئة حبّةٍ والله يضاعف لمن يشاء واللهُ واسعٌ عليم ".

    أنتهى الدرس البليغ. بدأنا نأكل من المائدة الثانية وإذا بها وكأنها طبق من الجنّة. علمت وقتها أن للزهد طعما يخفى على أمثالي.



    العجوز المسيحية :

    كنت في العشرين من عمري وكنت حينها طالبا في الكليّة وصادف أن إستأجرت إحدى الغرف من بيت سيدة مسيحية وقور، كبيرة السن ولاتقوى على إنجاز أعمال البيت من تنظيف وترتيب. بدأت بواجبي من توقيرها وإحترامها وتلبية طلباتها بالتسوق والتبضع فكانت تدعو لي بلغتها التي أفهمها وربما لا أجيدها.

    كنت مواظبا على قراءة دعاء كميل بطريقتي الخاطئة وقلبي الذي لايزال محجوبا. أختلي بغرفتي الصغيرة واطفأ الضوء وأبدأ بالقراءة إخفاتا كي لا أكدر صفوّ هذه السيدة الكبيرة. سألتني ذات مرّة : أسمع لك همسا أحيانا ، حدثني بالله عليك مع من تتكلم في غرفتك في بعض الليالي أيها العزيز. هكذا كانت تناديني.

    قلت لها أني أدعو الله أن ينجيني من عذاب يوم أليم.ردت عليّ شبه ثائرة : تطلب النجاة لنفسك وتترك هذه العجوز لذلك العذاب الأليم. لنقرأ تلك الكلمات التي تزعم أنها من المنجيات سوية. بدأت فعلا أترجم لها مقاطع دعاء كميل وحينما وصلت إلى فقرة " أم كيف تزجره زبانيتها وهو يناديك يارباه " صرخت بأعلى صوتها والدموع تنحدر على وجنتيها : أي ربّ لا تعذبني أرجوك في ذلك اليوم فأنا ضعيفة وكما ترى لاأقوى حتى على النهوض. نظرت إلى نفسسي نظرة إستحقار لما فرطت في جنب الله وقد زعمت في مقدمة هذه الأسطر بأني من المواظبين على قراءة هذا الدعاء الشريف منذ نعومة أظفاري ، مثلي في ذلك مثل الذي يصف الدواء لذي السقام ، كيما يصح وهو سقيم.

    اللهم فإرحم عبدك الجاهل وجد عليه بفضل إحسانك إنك جواد كريم.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد يونيو 30, 2024 8:47 am